لا يزال هناك الكثير من الغموض يلف العديد من جوانب الحياة الزوجية الخاصة وبالتحديد ما يتعلق بأمور المعاشرة الزوجية وربما كان هذا الغموض باعثاً على الحيرة والشك عند المؤمن قبل غيره وحافزاً على التجني واطلاق الأحكام غير المتأنية على الإسلام عند الجهلة من أبنائه والذين في قلوبهم مرض أو في عقولهم زيغ. وعندما أطرح مثل هذا الموضوع فإني أدعو إلى تناوله ضمن الضوابط الشرعية، ليس هذا فحسب، بل ان تكون المرجعية الشرعية للموضوع هي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. وما أريده هو حماية الحياة الزوجية مما قد ينتابها من الهجمات الغربية الشرسة والتكالب على بث ثقافة العري والخلاعة في بيوت المسلمين وان نقف في وجه هذه الهجمات ونسعى إلي إنارة دروب الأزواج واخراجهم من حيرة التخبط فيما يجوز وما لا يجوز في المعاشرة الزوجية والأخذ بأيديهم إلى فناء الشرع الحكيم دون خوف أو وجل.
إن القرآن الكريم قد فتح الباب في الكلام على شؤون الجنس ولكن البعض وهم من المتخصصين في الشريعة أو في الطب أو في علم الاجتماع أو غيرهم امتنع أو توقف عن الكلام في هذا العلم ويرون الحديث في مثل هذا الموضوع خروجاً عن المألوف بل وأمراً دخيلاً وغريباً عنا وبعيداً عن شريعتنا ولهذا انكروا الخوض فيه وبيان مسائله وشنعوا على من يتحدث فيه أو يغوص في تفاصيله وكأنه علم مستورد من الغرب لا يمكن تناوله ونسوا أو تناسوا ان الغرب لم يعرف دقائق هذا العلم ولا خاض فيه إلاّ عن طريقنا حين كان علماء الإسلام يؤلفون الأسفار العظيمة في هذا العلم عندما يتكلمون عن النكاح وآدابه.
إن نظرة الدين إلى العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة سامية ومتوازنة بقدر ما هي واقعية.. ووضع الإسلام غريزة الجنس في موضعها الحق ولم يحتقرها ولم يتجاهلها لأنها تمثل نداء الفطرة الطبيعي، والله سبحانه وتعالى يقول: {خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}.. وبهذا المعنى الجميل للسكن وللمودة وللرحمة لن يكون هناك سبيل إلى عقدة الذنب والشعور بالاثم ولا حاجة للكبت.. وإنما هناك منافذ وجدانية سلوكية أمام هذا التيار المتدفق فيحقق الإنسان فطرته ويرضي دوافعه دون كبت للفرد أو جناية للمجتمع. وما أعمق نظرة الإمام ابن الجوزي وما أصدق حكمه عندما قال: (تأملت في فوائد النكاح ومعاينة موضوعه: فرأيت ان الأصل الأكبر في وضعه وجود النسل.. ولما كانت صورة النكاح تأباها النفس الشريفة - من كشف العورة وملاقاة ما لا يستحسن لنفسه، وجعلت الشهوة تحث ليحصل المقصود. ثم رأيت هذا المقصود الأصلي يتبعه شيء آخر - وهو استفراغ هذا الماء الذي يؤدي دوام احتقانه إذا وقع به احتباسه أوجب أمراضاً وجدد أفكاراً رديئة، وجلب العشق والدسوسة - إلى غير ذلك من الآفات. وقد نجد صحيح المزاج يخرج ذلك إذا اجتمع وهو بعد متقلقل - فكأنه الأكل الذي لا يشبع، فبحثت عن ذلك، فرأيته وقوع الخلل في المنكوح، فعلم حينئذ ان تخير المنكوح يستقصي فضول المني، فيحصل للنفس كمال اللذة - لموضوع كمال بروز الفضول، ثم قد يؤثر هذا في الولد أيضاً.. إلى ان يقول رحمه الله: فمن أراد نجابة الولد وقضاء الوطر فليتخير المنكوح، إن كان زوجة - فلينظر إليها، فإذا وقعت في نفسه فليتزوجها وينظر في كيفية وقوعها في نفسه). ترى هل هذه كلمات إمام جليل من أئمة المسلمين أم كلمات واحد ممن درسوا الثقافة الجنسية والتحليل والكبت في مدارس الغرب؟!
إن الجهل بحقيقة العلاقة الجنسية بين الزوجين كان سبباً في تصدع العديد من الأسر الزوجية التي بدأ الشقاق يدب إليها بسبب النفور وفتور العاطفة بين الزوجين، لقصور أحدهما أو كليهما عن ممارسة العواطف التي تتطلبها المعاشرة الزوجية مما أدى إلى ضعف هذه العلاقة ونشأة بذرة الكراهة بينهما فيتسبب ذلك في الخصام والشجار ثم الفراق.. أليس هذا واقعاً يعيشه العديد من الأسر؟ وأسألوا المحاكم الشرعية عن القضايا التي سببها جهل الزوجين بما ينبغي عليهما في جانب المعاشرة الزوجية! وأجزم ان الزوجين أحدهما أو كليهما لا يبوحان بكل أسرارهما وخصوصياتهما الزوجية. ألا تتطلب هذه المشكلة صراحة وتوعية وايضاحاً من مشايخنا الأجلاء! ولم نسمع ان أحد العلماء أو المتخصصين عقد محاضرة أو ندوة أو حتى سجل شريطاً يوضح فيه هذا الجانب المظلم والمهم في حياة الزوجين! اللهم أني أشهدك - في حدود علمي - ان هذا لم يحصل، وان حصل مثل هذه المحاضرات فهي لا تتعدى الحديث عن صفات الزوجة الصالحة وصفات الزوج الصالح.
إن كثيراً من الأزواج يشتكون من امتناع زوجاتهم عن ممارسة الجماع وفق أوضاع وهيئات معينة وفي أوقات مختلفة، وكذلك الزوجات يشتكين من غلظة أزواجهن وجفائهم وعدم معاشرتهن بالمعروف والاحسان، ففقدت الحياة الزوجية هدؤها وانقشعت عنها المودة والسكينة. ولقد كان هذا الغموض سبباً في ان يقول أو ينسب البعض إلى الدين ما ليس فيه ويدعي ان الدين لم يأت بشيء يتعلق بالمعاشرة الزوجية ولم يبين للمسلم والمسلمة كيف تكون حياتهما الزوجية الخاصة. والحقيقة ان الدين ليس كما يعتقده ذوو العقول القاصرة، بل تكلم في كل ما يحقق السعادة الزوجية للزوجين من معاشرة ومضاجعة ولم يترك علماء السلف شاردة ولا واردة إلاّ ذكروها لأن التكتم يذهب سبب بيان الشريعة ومقصودها في الترغيب في ملاعبة الزوج لزوجته ليتم الحب وتتم الألفة في التساكن بينهما . هل نجد من علمائنا المتخصصين من يجرؤ عن الحديث في أدق التفاصيل في هذا العلم؟ هل سيكون الجواب واضحاً إذا ما تعرضوا لمثل ما سألت عنه امرأة مسلمة عندما قالت: ان زوجها يطلب منها عند مضاجعتها ان تعمل معه العديد من الحركات الغريبة من الملاعبة والمداعبة بجميع أنواعها المختلفة كونه يرى ذلك في العديد من الأفلام الإباحية، وهي لم تقدم على ذلك وأحجمت فأعرض عنها وهجرها في الفراش ولها عدد من الأولاد وهي تخشى ان يفارقها طبعاً أنا لن أتكلم عن أخلاقيات الزوج وكيف يسمح لنفسه بمشاهدة ما حرم الله عليه من أفلام إباحية وخليعة، ولكن أليس من الممكن ان تتعرض زوجة لمثل هذا السؤال أو الطلب من زوجها؟! لقد سألت امرأة عطاء بن أبي رباح عمر بن قيس المكي سؤالاً قالت فيه: ان زوجي يأمرني ان انخر عند الجماع، فقال لها أطيعي زوجك. والنخير هو مد الصوت من الخياشيم. وقد سئل الإمام القاسم بن محمد عن النخير في الجماع فقال: (إذا خلوتم فاصنعوا ما شئتم). وهذا الحجاج بن يوسف الثقفي مع جبروته لما قيل له أيمازح الأمير أهله قال: (ما ترونني إلاّ شيطاناً، والله ربما قبلت اخمص إحداهن). أعتقد ان سؤال المرأة لعمر بن قيس المكي من أدق خصوصيات المعاشرة الزوجية؟ وقد كانت الإجابة واضحة دون غموض أو تردد في شأن خاص من شؤون المعاشرة الزوجية: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) وهذا يعني ان كل واحد من الزوجين متعفف بصاحبه ومستتر به عما لا يحل له من التعري مع غيره، ولا يحصل هذا إلاّ يتمكن كل واحد من الزوجين بجميع ما يحصل به العفاف عن التطلع إلى سواهما، ولهذا لم يأت في شريعتنا نص يحد من أمر مباشرة الرجل لزوجته أو يمنع من عموم التمتع ببعضهما البعض وتركت الشريعة السمحة الباب مفتوحاً يرجع فيه الحكم لرغبة الزوجين بشتى الوسائل والأنواع والأشكال والهيئات إلاّ فيما حرم الله. ومن أراد الاستزادة في هذا الموضوع فيمكنه الرجوع إلى ما كتب الإمام الحافظ السيوطي في كتابه (شقائق الأترج في رقائق الغنج) و كذلك كتابه المميز (الوشاح في فوائد النكاح) وكتاب (مباسم الملاح ومناسم الصباح) وكتاب (اليواقيت الثمينة في صفات المرأة السمينة).
وخلاصة القول أنه آن الأوان لإزاحة اللثام عن ما خفي من أمور المعاشرة الزوجية، والمضاجعة والملاعبة والمداعبة. فقد ردت امرأة زواجها من علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه لا يلاعب عند الجماع ويكتفي بالوقاع، فقد ذكر ابن قتيبة في (عيون الأخبار) ان علي بن أبي طالب خطب أم ابان بنت عتبة بن ربيعة فردته وقالت: ليس للنساء منه حظ إلاّ ان يقعد بين شعبهن الأربع لا يصبن من غيره. ان الحديث عن المعاشرة الزوجية حديث ذو شجون ويحتاج إلى مجلدات وما أردته من وراء إثارة هذا الموضوع إلاّ التنبيه عليه لما رأيت الاهمال الكامل من قبل علمائنا والمتخصصين فيه وتشجيعهم للحديث فيه دون حرج أو تقييد بعد ان أصبح من الأمور المنكرة التي صعب عليهم سماعها أو التعريف بها وصار أغلب الناس يعيشون مع أزواجهم حياة بهيمية كلها جفاء وغلظة جهلاً منهم وقصوراً في فهمهم فيما يجب ان تكون عليه الحياة الزوجية في الوصال والاتصال وهذا خلاف ما أراد الشارع الحكيم من الحياة الزوجية وبنائها بناء سليماً لتكون حياة الزوجين في سعادة ومودة قلبية، وتقنع الزوجة بزوجها، ويقنع الزوج بزوجته، وتحصل الكفاية لكل منهما. والله من وراء القصد،،،